ساحة عريضة خالية و نظيفة كأنها كنست للتو، لا يدري كيف قادته قدماه إليها؟
لكن لا يهم أين يتواجد؟ هو سائح عابر يقتنص المغامرات و لا يبالي بعواقبها..
أحس بالإعياء من كثرة السير طيلة النهار، تحرر من متاعه تناول الخريطة من جيبه ليحدد مكانه، أتعبته الخطوط و الرموز دون جدوى؛ كما أن الضوء الخافت الذي يتسرب إلى الساحة أنهك عينيه، رغم كثرة أعمدة النور المحيطة بها.
لفح أنفه عطر غاب عنه أريجه منذ مدة، رفع رأسه ليرى غادة حسناء تمر على بعد خطوات منه في اتجاه الشارع الآخر غير الذي ولج منه إلى الساحة.
لم يتبين ملامحها جيدا سوى خصلات من شعرها الأسود الطويل، يتطاير مع نسمات المساء و قامتها الممشوقة التي تهتز على وقع خطوات رشيقة متزنة آنست وحشة المكان.
تابعها بعينين تملأهما رغبة جامحة في اكتساح جسدها الفتي، و أحس بأنامله تتخلل شعرها الناعم و دغدغة تسري بين أوصاله..
وصلت إلى مدخل الشارع، التفت إليه و ابتسامة ساحرة تعلو محياها، خمن مع نفسه هذه دعوة صريحة تبثها له ليتعقبها.
لم يتردد لحظة واحدة ترك ما بيده ليلحق بها على الفور، و هو يمني نفسه بليلة ساخنة تنسيه تعبه، فجولاته في شتى البقاع بغية اكتشاف المجهول ألهاه عن آدميته و رغباته الشخصية في الحياة..
ضحك في سره تمتم لا بأس من مجازفة صغيرة في بقعة منسية لا أثر لها على خارطتي، و تابع خطواته بإصرار نحو الطريق الذي سلكته.
توغل بعض الشيء في الشارع بدا له ضيقا و طويلا غير متناهي خاليا من الحياة، و لا أثر لحسنائه كأن الأرض انشقت و ابتلعتها.
وقف حائرا مشدوها مرتبكا؛ لا يدري أيتابع سيره أم يعود من حيث أتى..
تذكر أنه غريب و ضائع في مكان مجهول و الظلام وشيك النزول، لعن في نفسه حظه العاثر هم بالرجوع، إذا به أمام بضعة رجال أشداء واجمين كأن الطير على رؤوسهم يسدون الطريق أمامه..
سألهم بكل اللغات: ما الأمر؟
و كان الجواب،نجوما تتلألأ أمام عينيه.. و حل الظلام قبل الأوان.
تعليقات:
